الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّ مَسْحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُمَا عَلَى مَنْ لاَ خُفَّيْنِ عَلَيْهِ إذَا هُوَ لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ كَمَا دَلَّ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ عَلَى بَعْضِ الْقَائِمِينَ دُونَ بَعْضٍ لاَ أَنَّ الْمَسْحَ خِلاَفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ الْوُضُوءَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَكَذَلِكَ لَيْسَتْ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلاَفٍ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلاَلٌ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ خَرَجَا قَالَ أُسَامَةُ فَسَأَلْت بِلاَلاً مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بِلاَلٌ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْغَائِطِ فَحَمَلْت مَعَهُ إدَاوَةً قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلْت أُهْرِيقَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ وَهُوَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُحْسِرُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كَمَا جُبَّتِهِ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْجُبَّةِ حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَقْبَلْت مَعَهُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يُصَلِّي لَهُمْ فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَهُ وَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَمَّ صَلاَتَهُ وَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ «أَحْسَنْتُمْ أَوْ قَالَ أَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِنَحْوٍ مِنْ حَدِيثِ عَبَّادٍ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَرَدْت تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَدِيثِ بِلاَلٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ بِئْرَ جَمَلٍ فِي الْحَضَرِ قَالَ فَيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ مَعًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُسَيْنٍ وَزَكَرِيَّا وَيُونُسَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ إنِّي أَدْخَلَتْهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ لَمْ يُدْخِلْ وَاحِدَةً مِنْ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ إلَّا وَالصَّلاَةُ تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّهُ كَامِلُ الطَّهَارَةِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَجُلٌ فَيُكْمِلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَبْتَدِئَ بَعْدَ إكْمَالِهِ إدْخَالَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ رِجْلَهُ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَإِنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ أَوْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا الْخُفَّيْنِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُ الصَّلاَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إنْ أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يُوَضِّئَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَيَغْسِلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُدْخِلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ يَغْسِلَ الْأُخْرَى فَيُدْخِلَهَا الْخُفَّ فَلاَ يَكُونُ لَهُ إذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ الْخُفَّ وَهُوَ غَيْرُ كَامِلِ الطَّهَارَةِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّلاَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ بَعْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَنْزِعَ الْخُفَّيْنِ وَيَتَوَضَّأَ فَيُكْمِلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُدْخِلَهُمَا الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ فَأَكْمَلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَفَّفَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَهُ الْأُخْرَى فِي سَاقِ الْخُفِّ فَلَمْ تَقَرَّ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ حَتَّى أَحْدَثَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ مُتَخَفِّفًا حَتَّى يُقِرَّ قَدَمَهُ فِي قَدَمِ الْخُفِّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ وَيَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ. وَإِذَا وَارَى الْخُفُّ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنْ يُوَارِيَ الْكَعْبَيْنِ فَلاَ يُرَيَانِ مِنْهُ كَانَ لِمَنْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا خُفَّانِ وَإِنْ كَانَ الْكَعْبَانِ أَوْ مَا يُحَاذِيهِمَا مِنْ مُقَدَّمِ السَّاقِ أَوْ مُؤَخَّرِهَا يُرَى مِنْ الْخُفِّ لِقِصَرِهِ أَوْ لِشِقٍّ فِيهِ أَوْ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ لَبِسَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْخُفَّيْنِ خَرْقٌ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ فِي بَطْنِ الْقَدَمِ أَوْ ظَهْرِهَا أَوْ حُرُوفِهَا أَوْ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْقَدَمِ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ هَذَانِ الْخُفَّانِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ لِمَنْ تَغَطَّتْ رِجْلاَهُ بِالْخُفَّيْنِ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا بَارِزَةً بَادِيَةً فَلَيْسَتَا بِمُتَغَطِّيَتَيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ عَلَيْهِ الْفَرْضُ مِنْ الرِّجْلَيْنِ بَارِزًا وَلاَ يُغْسَلَ وَإِذَا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقَدَمِ وَجَبَ عَلَيْهَا كُلِّهَا. وَإِنْ كَانَ فِي الْخُفِّ خَرْقٌ وَجَوْرَبٌ يُوَارِي الْقَدَمَ فَلاَ نَرَى لَهُ الْمَسْحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لَيْسَ بِجَوْرَبٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ أَنْ يَلْبَسَ دُونَ الْخُفِّ جَوْرَبًا رُئِيَ بَعْضُ رِجْلَيْهِ. قَالَ وَإِنْ انْفَتَقَتْ ظِهَارَةُ الْخُفِّ وَبِطَانَتُهُ صَحِيحَةٌ لاَ يُرَى مِنْهَا قَدَمٌ كَانَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ خُفٌّ وَالْجَوْرَبُ لَيْسَ بِخُفٍّ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ أُلْصِقَ بِالْخُفِّ فَهُوَ مِنْهُ. وَلَوْ تَخَفَّفَ خُفًّا فِيهِ خَرْقٌ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُ آخَرَ صَحِيحًا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَإِذَا كَانَ الْخُفُّ الَّذِي عَلَى قَدَمِهِ صَحِيحًا مَسَحَ عَلَيْهِ دُونَ الَّذِي فَوْقَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِي الْخُفِّ فَتْقٌ كَالْخَرْقِ الَّذِي مِنْ قِبَلِ الْخَرَزِ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالْخُفُّ الَّذِي يَمْسَحُ عَلَيْهِ الْخُفُّ الْمَعْلُومُ سَاذِجًا كَانَ أَوْ مُنَعَّلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ تَخَفَّفَ وَاحِدًا غَيْرَهُ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلَّهُ مِنْ جُلُودِ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ خَشَبٍ فَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُلُودِ الْغَنَمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ الْخُفَّانِ مِنْ لُبُودٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ طُفًى فَلاَ يَكُونَانِ فِي مَعْنَى الْخُفِّ حَتَّى يُنَعَّلاَ جِلْدًا أَوْ خَشَبًا أَوْ مَا يَبْقَى إذَا تُوبِعَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ كُلُّ مَا عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا صَفِيقًا لاَ يَشِفُّ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لاَ يَشِفُّ وَغَيْرُ مُنَعَّلٍ فَهَذَا جَوْرَبٌ أَوْ يَكُونَ مُنَعَّلاً وَيَكُونَ يَشِفُّ فَلاَ يَكُونُ هَذَا خُفًّا إنَّمَا الْخُفُّ مَا لَمْ يَشِفَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مُنَعَّلاً وَمَا عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ صَفِيقًا لاَ يَشِفَّ وَمَا فَوْقَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ يَشِفُّ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ شَيْءٌ يَشِفُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ جَوْرَبَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ خُفَّانِ فَلَبِسَهُمَا أَوْ لَبِسَ عَلَيْهِمَا جُرْمُوقَيْنِ آخَرَيْنِ أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يُعِدْ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوْقَهُمَا وَلاَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ مَسْحًا. وَلَوْ تَوَضَّأَ فَأَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا جُرْمُوقَيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ الْجُرْمُوقَيْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَطْرَحَ الْجُرْمُوقَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يُعِيدَ الْجُرْمُوقَيْنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَدُونَهُمَا خُفَّانِ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ وَلاَ الصَّلاَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ لَبِسَ جَوْرَبَيْنِ لاَ يَقُومَانِ مَقَامَ خُفَّيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دُونَ الْقَدَمَيْنِ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَ الْخُفَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ خَرْقًا وَلَفَائِفَ مُتَظَاهِرَةً عَلَى الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُمَا خُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَلَّمَا يُلْبَسُ الْخُفَّانِ إلَّا وَدُونُهُمَا وِقَايَةٌ مِنْ جَوْرَبٍ أَوْ شَيْءٍ يَقُومُ مَقَامَهُ يَقِي الْقَدَمَيْنِ مِنْ خَرَزِ الْخُفِّ وَحُرُوفِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْخُفَّانِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُمَا نَجِسًا لَمْ تَحِلَّ الصَّلاَةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ سَبُعٍ فَدُبِغَا حَلَّتْ الصَّلاَةُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِمَا شَعْرٌ فَإِنْ بَقِيَ فِيهِمَا شَعْرٌ فَلاَ يُطَهِّرُ الشَّعْرَ الدِّبَاغُ وَلاَ يُصَلِّي فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ أَوْ سَبُعٍ لَمْ يُدْبَغَا لَمْ تَحِلَّ الصَّلاَةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيٌّ حَلَّتْ الصَّلاَةُ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُدْبَغَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَجْزِي الْمَسْحُ مِنْ طَهَارَةِ الْوُضُوءِ فَإِذَا وَجَبَ الْغُسْلُ وَجَبَ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَكَذَلِكَ يَجْزِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ الْخَلاَءِ وَالْبَوْلِ فِي الْوُضُوءِ وَإِذَا وَجَبَ الْغُسْلُ وَجَبَ غَسْلُ مَا هُنَالِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ الْبَدَنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ دَمِيَتْ الْقَدَمَانِ فِي الْخُفَّيْنِ أَوْ وَصَلَتْ إلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ وَجَبَ خَلْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ طَهَارَةُ تَعَبُّدِ وُضُوءٍ لاَ طَهَارَةُ إزَالَةِ نَجَسٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُهَاجِرُ أَبُو مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ فَقَالَ لِي: مَا جَاءَ بِك؟ فَقُلْت: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ فَقَالَ: إنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ. قُلْت: حَاكَ فِي نَفْسِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَكُنْت امْرَأً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُك أَسْأَلُك هَلْ سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ: نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَنَوْمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا لَبِسَ الرَّجُلُ خُفَّيْهِ وَهُوَ طَاهِرٌ لِلصَّلاَةِ صَلَّى فِيهِمَا، فَإِذَا أَحْدَثَ عَرَفَ الْوَقْتَ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ إلَّا بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ غَدِهِ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لاَ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إلَى أَنْ يَقْطَعَ الْمَسْحَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْمَسْحَ فِيهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَمَسَحَ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ صَلَّى بِالْمَسْحِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ فَإِنْ انْتَقَضَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ أَيْضًا حَتَّى السَّاعَةَ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا مِنْ غَدِهِ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَإِذَا فَعَلَ وَتَوَضَّأَ كَانَ عَلَى وُضُوئِهِ وَمَتَى لَبِسَ خُفَّيْهِ فَأَحْدَثَ مَسَحَ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا ثُمَّ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَمَسَحَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ وَالظُّهْرَ إنْ قَدَّمَهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ وَيَخْرُجَ مِنْهَا فَإِنْ أَخَّرَهَا حَتَّى يَكُونَ الْوَقْتُ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِمَسْحٍ وَإِنْ قَدَّمَهَا فَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى يَدْخُلَ الْوَقْتُ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ انْتَقَضَتْ صَلاَتُهُ بِانْتِقَاضِ مَسْحِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ بِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ كُلَّمَا لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ كَانَ هَكَذَا أَبَدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَصْنَعُ هَكَذَا فِي السَّفَرِ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ يَمْسَحُ فِي الْيَوْمُ الثَّالِثِ إلَى مِثْلِ السَّاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا فَيُصَلِّي فِي الْحَضَرِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مَرَّةً وَسِتًّا مَرَّةً أُخْرَى بِمَسْحٍ وَفِي السَّفَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلاَةً مَرَّةً وَسِتَّةَ عَشَرَ أُخْرَى عَلَى مِثْلِ مَا حَكَيْت إذَا صَلَّاهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى خَمْسَ عَشْرَةَ وَجَمَعَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ انْتَقَضَ الْمَسْحُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجَ مُسَافِرًا صَلَّى بِالْمَسْحِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ طَهَارَةِ مَسْحِهِ كَانَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ فَلَمْ يُصَلِّ صَلاَةً حَتَّى يَخْرُجَ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ الَّذِي كَانَ فِي الْحَضَرِ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً كَمَا كَانَ يُصَلِّي بِهِ فِي الْحَضَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ فَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى خَرَجَ إلَى السَّفَرِ صَلَّى بِمَسْحِهِ فِي السَّفَرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ وَلَمْ يُحْدِثْ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ لَمْ يُصَلِّ بِذَلِكَ الْمَسْحِ إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَسْحِهِ مَعْنًى إذَا مَسَحَ وَهُوَ طَاهِرٌ لِمَسْحِهِ فِي الْحَضَرِ فَكَانَ مَسْحُهُ ذَلِكَ كَمَا لَمْ يَكُنْ إذَا لَمْ يَكُنْ يُطَهِّرُهُ غَيْرُ التَّطْهِيرُ الْأَوَّلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ مَسَحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَصَلَّى صَلاَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ بَلَدًا يُقِيمُ بِهِ أَرْبَعًا وَنَوَى الْمُقَامَ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي مَسَحَ فِيهِ أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّ بِمَسْحِ السَّفَرِ بَعْدَ مُقَامِهِ إلَّا لِإِتْمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلاَ يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ مُسَافِرًا ثَلاَثًا فَلَمَّا انْتَقَضَ سَفَرُهُ كَانَ حُكْمُ مَسْحِهِ إذْ صَارَ مُقِيمًا كَابْتِدَاءِ مَسْحِ الْمُقِيمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ اسْتَكْمَلَ فِي سَفَرِهِ بِأَنْ صَلَّى بِمَسْحِ السَّفَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْمُقَامُ أَوْ قَدِمَ بَلَدًا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِمَسْحِ السَّفَرِ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَوَى الْمُقَامَ قَبْلَ تَكْمِيلِ الصَّلاَةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُضُوءًا ثُمَّ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلاَةَ. وَلَوْ سَافَرَ فَلَمْ يَدْرِ أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا لَمْ يُصَلِّ مِنْ حِينِ اسْتَيْقَنَ بِالْمَسْحِ أَنَّهُ كَانَ وَشَكَّ أَكَانَ وَهُوَ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ، إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَوْ صَلَّى بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مَسَحَ مُسَافِرًا صَلَّى بِهِ تَمَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَكَّ أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا فَصَلَّى وَهُوَ مُسَافِرٌ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ مَسَحَ مُسَافِرًا أَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ زَادَتْ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَهُوَ لاَ يَرَاهُ طَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِوُضُوءٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمَسْحَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا شَكَّ فِي أَوَّلِ مَا مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَلَمْ يَدْرِ أَمَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لاَ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ مَسَحَ فَصَلَّى ثَلاَثَ صَلَوَاتٍ وَشَكَّ أَصَلَّى الرَّابِعَةَ أَمْ لاَ؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ صَلَّى بِالْمَسْحِ الرَّابِعَةَ حَتَّى لاَ يُصَلِّيَ بِمَسْحٍ وَهُوَ يَشُكُّ أَنَّهُ مَسَحَ أَمْ لاَ وَلاَ يَكُونُ لَهُ تَرْكُ الصَّلاَةِ الرَّابِعَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ صَلَّاهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي وَقْتِهِ مَا كَانَا عَلَى قَدَمَيْهِ فَإِذَا أَخْرَجَ إحْدَى قَدَمَيْهِ مِنْ الْخُفِّ أَوْ هُمَا بَعْدَ مَا مَسَحَ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ إنْ تَخَفَّفَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعَلَيْهِ الْخُفَّانِ مَسَحَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا زَالَتْ إحْدَى قَدَمَيْهِ أَوْ بَعْضُهَا مِنْ مَوْضِعِهَا مِنْ الْخُفِّ فَخَرَجَا حَتَّى يُظْهِرَ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْهَا انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَإِذَا أَزَالَهَا مِنْ مَوْضِعِ قَدَمِ الْخُفِّ وَلَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَدَمَيْنِ شَيْئًا أَحْبَبْت أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ وَلاَ يَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قال: وَكَذَلِكَ لَوْ انْفَتَقَ الْخُفُّ حَتَّى يُرَى بَعْضُ مَا عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَدَمَيْنِ انْتَقَضَ الْمَسْحُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ انْفَتَقَ الْخُفُّ وَعَلَيْهِ جَوْرَبٌ يُوَارِي الْقَدَمَ حَتَّى بَدَا مِنْ الْجَوْرَبِ مَا لَوْ كَانَتْ الْقَدَمُ بِلاَ جَوْرَبٍ رُئِيَتْ فَهُوَ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْقَدَمِ يُنْتَقَضُ بِهِ الْمَسْحُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْخُفُّ بِشَرَجٍ فَإِنْ كَانَ الشَّرَجُ فَوْقَ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَلاَ يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ خُفٌّ أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الشَّرَجُ فَوْقَ شَيْءٍ مِنْ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَدَمِ فَكَانَ فِيهِ خَلَلٌ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرَجِ خَلَلٌ يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرَجُهُ يُفْتَحُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ فَتَحَ شَرَجَهُ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَمَشَى فِيهِ أَوْ تَحَرَّكَ انْفَرَجَ حَتَّى يُرَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الشَّرَجُ فَوْقَ شَيْءٍ مِنْ مَوْضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَدَمِ فَكَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَلاَ يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ خُفٌّ أَجْزَأَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَكَانَ مَعْرُوفًا فِي لِسَان الْعَرَبِ أَنَّ الْجَنَابَةَ الْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجِمَاعِ مَاءٌ دَافِقٌ وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَا وَإِيجَابِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلاَنًا أَجْنَبَ مِنْ فُلاَنَةَ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَرِفًا. قَالَ الرَّبِيعُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجَنَابَةَ أَنْ يُفْضِيَ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ حَتَّى يُغَيِّبَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا إلَى أَنْ يُوَارِيَ حَشَفَتَهُ أَوْ أَنْ يَرْمِيَ الْمَاءَ الدَّافِقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِمَاعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ أَوْ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ إذَا هِيَ رَأَتْ الْمَاءَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ رَأَى الْمَاءَ الدَّافِقَ مُتَلَذِّذًا أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَكَذَلِكَ لَوْ جَامَعَ فَخَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أَعَادَ الْغُسْلَ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ بَعْدَ مَا بَالَ إذَا جَعَلْت الْمَاءَ الدَّافِقَ عَلَمًا لِإِيجَابِ الْغُسْلِ وَهُوَ قَبْلَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمَاءُ الدَّافِقُ الثَّخِينُ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَالرَّائِحَةُ الَّتِي تُشْبِهُ رَائِحَةَ الطَّلْعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الدَّافِقُ مِنْ رَجُلٍ وَتَغَيَّرَ لِعِلَّةٍ بِهِ أَوْ خِلْقَةٍ فِي مَائِهِ بِشَيْءٍ خَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ الدَّافِقُ الَّذِي نَعْرِفُهُ أَوْجَبْتُ عَلَيْهِ الْغُسْلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا غَيَّبَ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ مُتَلَذِّذًا أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَمُتَحَرِّكًا بِهَا أَوْ مُسْتَكْرِهًا لِذَكَرِهِ أَوْ أَدْخَلَتْ هِيَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ هُوَ نَائِمٌ لاَ يَعْلَمُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْغُسْلَ وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِيهِ مَعَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إتْيَانِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ إتْيَانُ امْرَأَتِهِ فِي دُبُرِهَا عِنْدَنَا وَكَذَلِكَ لَوْ غَيَّبَهُ فِي امْرَأَتِهِ وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَإِنْ غَيَّبَهُ فِي دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَاتِ رُوحٍ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يَأْتِيَ مِنْهُ الْمَاءُ الدَّافِقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا إنْ اسْتَمْنَى فَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ لَيْسَ بِفَرْجٍ وَإِذَا مَاسَّ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْأَنْجَاسِ غَسَلَهُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَإِذَا مَاسَّ ذَكَرَهُ تَوَضَّأَ لِلَمْسِهِ إيَّاهُ إذَا أَفْضَى إلَيْهِ فَإِنْ غَسَلَهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ ثَوْبٌ أَوْ رُقْعَةٌ طَهُرَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ نَالَ مِنْ امْرَأَتِهِ مَا دُونَ أَنْ يُغَيِّبَهُ فِي فَرْجِهَا وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ غُسْلاً وَلاَ نُوجِبُ الْغُسْلَ إلَّا أَنْ يُغَيِّبَهُ فِي الْفَرْجِ نَفْسِهِ أَوْ الدُّبُرِ فَأَمَّا الْفَمُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَسَدِهَا فَلاَ يُوجِبُ غُسْلاً إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَيَتَوَضَّأُ مِنْ إفْضَائِهِ بِبَعْضِهِ إلَيْهَا وَلَوْ أَنْزَلَتْ هِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ اغْتَسَلَتْ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ أَنْزَلَ فِيهَا فَأَيُّهُمَا أَنْزَلَ بِحَالٍ اغْتَسَلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَكَّ رَجُلٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِالْإِنْزَالِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَغْتَسِلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً دَافِقًا وَلاَ يَذْكُرُ أَنَّهُ جَاءَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ بِاحْتِلاَمٍ وَلاَ بِغَيْرِهِ أَحْبَبْت أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُعِيدَ الصَّلاَةَ وَيَتَأَخَّى فَيُعِيدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِلاَمَ كَانَ أَوْ مَا كَانَ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ نَوْمٍ رَأَى فِيهِ شَيْئًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ احْتَلَمَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ يَجِبَ هَذَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ رَأَى فِي الْمَنَامِ شَيْئًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَنْزَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لاَ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ غَيْرُهُ فَيَعْلَمَ أَنَّ الِاحْتِلاَمَ كَانَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لاَ يَشُكُّ أَنَّ الِاحْتِلاَمَ كَانَ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَحْدَثَ نَوْمَةً نَامَهَا، فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَهُ صَلاَةً أَعَادَهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَهُ صَلاَةً اغْتَسَلَ لِمَا يُسْتَقْبَلْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه إلَى الْجَرْفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ احْتَلَمْت وَمَا شَعَرْت وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلْت قَالَ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غَيْرِ الْجَنَابَةِ وُجُوبًا لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلَّا بِهِ. وَأَوْلَى الْغُسْلِ عِنْدِي أَنْ يَجِبَ بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلاَ أُحِبُّ تَرْكَهُ بِحَالٍ وَلاَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ. ثُمَّ الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ وَلاَ يُبَيِّنُ أَنْ لَوْ تَرَكَهُمَا تَارِكٌ ثُمَّ صَلَّى اغْتَسَلَ وَأَعَادَ، إنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَجُلاً لَمْ أَقَعْ مِنْ مَعْرِفَةِ ثَبْتِ حَدِيثِهِ إلَى يَوْمِي هَذَا عَلَى مَا يُقْنِعُنِي فَإِنْ وَجَدْت مَنْ يُقْنِعُنِي مِنْ مَعْرِفَةِ ثَبْتِ حَدِيثِهِ أَوْجَبْت الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ مُفْضِيًا إلَيْهِ فَإِنَّهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الدَّلاَلَةَ عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِهِ عَلَى الِاخْتِيَارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ مِنْ السُّوقِ فَسَمِعْت النِّدَاءَ فَمَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِثْلِهِ وَسَمَّى الدَّاخِلَ أَنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَحْلِقَ شَعْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَكُنْ جُنُبًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ قَلَّمَا جُنَّ إنْسَانٌ إلَّا أَنْزَلَ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا اغْتَسَلَ الْمَجْنُونُ لِلْإِنْزَالِ وَإِنْ شَكَّ فِيهِ أَحْبَبْت لَهُ الِاغْتِسَالَ احْتِيَاطًا وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْإِنْزَالَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَنَا الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثٌ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ وَلَوْ أَفْضَى إلَى جَسَدِهَا بِيَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَكَفَاهُ مِنْهُ وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ لِجَمِيعِ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ ثُمَّ تَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ وُضُوءًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمَذْيِ الْغُسْلُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ فَرْضُ اللَّهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْمُغْتَسِلُ بِالْغُسْلِ أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَمَا جَاءَ بِهِ وَكَذَلِكَ لاَ وَقْتَ فِي الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ دَلاَلَةُ السُّنَّةِ؟ قِيلَ لَمَّا حَكَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ. كَانَ الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَخْذَهُمَا مِنْهُ مُخْتَلِفٌ لَوْ كَانَ فِيهِ وَقْتٌ غَيْرُ مَا وَصَفْت مَا أَشْبَهَ أَنْ يَغْتَسِلَ اثْنَانِ يُفْرِغَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِمَا وَأَكْثَرُ مَا حَكَتْ عَائِشَةُ غُسْلَهُ وَغُسْلَهَا فَرَقٌ. قال: وَالْفَرَقُ ثَلاَثَةُ آصُعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَكَ. وَلَمْ يُحْكَ أَنَّهُ وَصَفَ لَهُ قَدْرًا مِنْ الْمَاءِ إلَّا إمْسَاسُ الْجِلْدِ وَالِاخْتِيَارُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ مَا حَكَتْ عَائِشَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ شَعْرٍ تَشُدُّ ضُفُرَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْقُضَهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَغُسْلُهَا مِنْ الْحَيْضِ كَغُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ لاَ يَخْتَلِفَانِ يَكْفِيهَا فِي كُلٍّ مَا يَكْفِيهَا فِي كُلٍّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: «لاَ، إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِيَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ أَوْ قَالَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْت» وَإِنْ حَسَّتْ رَأْسَهَا فَكَذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِهِ أَوْ يَعْقِصُهُ فَلاَ يَحِلُّهُ وَيُشْرِبُ الْمَاءَ أُصُولَ شَعْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ بِشَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يَصِلَ إلَى شَعْرِهِ وَأُصُولِهِ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلُهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى بَشَرَتِهِ وَشَعْرِهِ وَإِنْ لَبَّدَهُ بِشَيْءٍ لاَ يَحُولُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْعَقْصِ وَالضَّفْرِ الَّذِي لاَ يَمْنَعُ الْمَاءَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَلُّهُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يُشْرِبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ ثَلاَثًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْفِنَ عَلَى رَأْسِهِ فِي الْجَنَابَةِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يُغَلْغِلَ الْمَاءَ فِي أُصُولِ شَعْرِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى أُصُولِهِ وَبَشَرَتِهِ قَالَ وَإِنْ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ صَبًّا وَاحِدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ تَغَلْغَلَ الْمَاءُ فِي أُصُولِهِ وَأَتَى عَلَى شَعْرِهِ وَبَشَرَتِهِ أَجْزَأَهُ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِ غَرَفَاتٍ يَقْطَعُ بَيْنَ كُلِّ غَرْفَةٍ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَإِنْ كَانَ شَعْرُهُ مُلَبَّدًا كَثِيرًا فَغَرَفَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَتَغَلْغَلْ فِي جَمِيعِ أُصُولِ الشَّعْرِ وَيَأْتِ عَلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ كُلِّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرِفَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُغَلْغِلَ الْمَاءَ حَتَّى يَعْلَمَ عِلْمًا مِثْلَهُ أَنْ قَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَحْلُوقًا أَوْ أَصْلَعَ أَوْ أَقْرَعَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ يَأْتِي عَلَى بَاقِي شَعْرِهِ وَبَشَرَتِهِ فِي غَرْفَةٍ عَامَّةٍ أَجْزَأَتْهُ وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ثَلاَثًا وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ بِثَلاَثٍ لِلضَّفْرِ وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَصِيرُ الْمَاءُ إلَى بَشَرَتِهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا لِمَّةٍ يَغْرِفُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثَلاَثًا وَكَذَلِكَ كَانَ وُضُوءُهُ فِي عَامَّةِ عُمُرِهِ ثَلاَثًا لِلِاخْتِيَارِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَاحِدَةٌ سَابِغَةٌ كَافِيَةٌ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهَا اسْمُ غُسْلٍ وَوُضُوءٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ عَلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَإِنْ تَرَكَهُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِصَلاَةٍ إنْ صَلَّاهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْضَحَ فِي عَيْنَيْهِ الْمَاءَ وَلاَ يَغْسِلَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا ظَاهِرَتَيْنِ مِنْ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ دُونَهُمَا جُفُونًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا ظَاهِرَتَانِ وَيُدْخِلُ الْمَاءَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الصِّمَاخِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ فِيمَا بَطَنَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يُدَلِّكَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَى الْمَاءُ عَلَى جَسَدِهِ أَجْزَأَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ انْغَمَسَ فِي نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ فَأَتَى الْمَاءُ عَلَى شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ أَجْزَأَهُ إذَا غَسَلَ شَيْئًا إنْ كَانَ أَصَابَهُ وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ تَحْتَ مِيزَابٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءُ عَلَى شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ. قال: وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ تَحْتَ مَطَرٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءُ عَلَى شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ فِي شَيْءٍ مِمَّا وُصِفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْغُسْلِ الطَّهَارَةَ وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ لاَ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّهَارَةَ وَإِنْ نَوَى بِالْغُسْلِ الطَّهَارَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءُ الطَّهَارَةُ مِمَّا أَوْجَبَ الْوُضُوءُ وَنَوَى بِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ يَقْرَأَ مُصْحَفًا فَكُلُّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى بِكُلِّهِ الطَّهَارَةَ. قَالَ وَلَوْ كَانَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ذَا شَعْرٍ طَوِيلٍ فَغَسَلَ مَا عَلَى رَأْسِهِ مِنْهُ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ وَتَرَكَ مَا اسْتَرْخَى مِنْهُ فَلَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ طَهَارَةَ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَلَوْ تَرَكَ لَمْعَةً مِنْ جَسَدِهِ تَقِلُّ أَوْ تَكْثُرُ إذَا احْتَاطَ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ مِنْ جَسَدِهِ شَيْئًا فَصَلَّى أَعَادَ غُسْلَ مَا تَرَكَ مِنْ جَسَدِهِ ثُمَّ أَعَادَ الصَّلاَةَ بَعْدَ غُسْلِهِ. وَلَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمْ يُكْمِلْ غُسْلَهُ حَتَّى أَحْدَثَ مَضَى عَلَى الْغُسْلِ كَمَا هُوَ وَتَوَضَّأَ بَعْدَ الصَّلاَةِ. قَالَ وَلَوْ بَدَأَ فَاغْتَسَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَأَكْمَلَ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ مِنْ وُضُوءِ السَّاعَةِ لِلصَّلاَةِ. وَالطَّهَارَةُ بِالْغُسْلِ أَكْثَرُ مِنْهَا بِالْوُضُوءِ أَوْ مِثْلُهَا. وَلَوْ بَدَأَ بِرِجْلَيْهِ فِي الْغُسْلِ قَبْلَ رَأْسِهِ أَوْ فَرَّقَ غُسْلَهُ فَغَسَلَ مِنْهُ السَّاعَةَ شَيْئًا بَعْدَ السَّاعَةِ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوُضُوءِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَبَدَأَ بِبَعْضِهِ قَبْلَ بَعْضٍ. وَيُخَلِّلُ الْمُغْتَسِلُ وَالْمُتَوَضِّئُ أَصَابِعَ أَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَلاَ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْهُمَا. قال: وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مُلْتَصِقٌ ذَا غُضُونٍ أَدْخَلَ الْمَاءَ الْغُضُونَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهُ حَيْثُ لاَ يَدْخُلُ مِنْ الْمُلْتَصِقِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَا غُضُونٍ فِي جَسَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَلْغِلَ الْمَاءَ فِي غُضُونِهِ حَتَّى يَدْخُلَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا فِي الْحَالَيْنِ السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَرِيضًا بَعْضَ الْمَرَضِ تَيَمَّمَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ لَهُ. قال: وَالْمَرَضُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ لِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ فَاَلَّذِي سَمِعْت أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِيهِ الْجِرَاحُ. قَالَ وَالْقُرْحُ دُونَ الْغَوْرِ كُلِّهِ مِثْلُ الْجِرَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ فِي كُلِّهِ إذَا مَاسَّهُ الْمَاءُ أَنْ يَنْطِفَ فَيَكُونَ مِنْ النُّطَفِ التَّلَفُ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَأَقَلُّهُ مَا يَخَافُ هَذَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ جَائِفًا خِيفَ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ مُعَاجَلَةُ التَّلَفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ الْخَفِيفُ غَيْرَ ذِي الْغَوْرِ الَّذِي لاَ يَخَافُ مِنْهُ إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ- التَّلَفَ وَلاَ النَّطْفَ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا غُسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي رَخَّصَ اللَّهُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ زَائِلَةٌ عَنْهُ وَلاَ يَجْزِي التَّيَمُّمُ مَرِيضًا أَيَّ مَرَضٍ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيحًا فِي شِتَاءٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ وَكَذَا لاَ يَجْزِي رَجُلاً فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ قَرِيحًا فِي رَأْسِهِ وَجَمِيعِ بَدَنِهِ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ فَلاَ يُجْزِئُهُ فِيهَا إلَّا غُسْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ قُرُوحٌ فَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ جَائِفًا يَخَافُ التَّلَفَ إنْ غَسَلَهَا فَلَمْ يَغْسِلْهَا أَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا وَقَدْ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ فَلَمْ يَغْسِلْهَا وَإِنْ كَانَ الْقُرُوحُ فِي كَفَّيْهِ دُونَ جَسَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا غُسْلُ جَمِيعِ جَسَدِهِ مَا خَلاَ كَفَّيْهِ ثُمَّ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِأَنْ يَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْغُسْلِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَلاَ بِالتَّيَمُّمِ. قَالَ وَإِنْ تَيَمَّمَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى غُسْلِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ بِلاَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ لَمْ يُجِزْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ وَيَتَيَمَّمَ لاَ يُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ دُونَ مُؤَخَّرِهِ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا غُسْلُ مُؤَخَّرِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي بَعْضِ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ دُونَ بَعْضٍ غَسَلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَتَرَكَ مَا كَانَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ فِي وَجْهِهِ، وَرَأْسُهُ سَالِمٌ وَإِنْ غَسَلَهُ فَاضَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَلْقِيَ وَيُقَنِّعَ رَأْسَهُ وَيَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْصَبَّ الْمَاءُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ وَهَكَذَا حَيْثُ كَانَ الْقُرْحُ مِنْ بَدَنِهِ فَخَافَ إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوْضِعٍ صَحِيحٍ مِنْهُ أَنْ يُفِيضَ عَلَى الْقُرْحِ أَمَسَّ الْمَاءَ الصَّحِيحَ إمْسَاسًا لاَ يُفِيضُ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ إذَا بَلَّ الشَّعْرَ وَالْبَشَرَ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ وَيَحْتَالَ حَتَّى لاَ يُفِيضَ عَلَى الْقُرُوحِ أَفَاضَهُ. قَالَ وَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ فِي ظَهْرِهِ فَلَمْ يَضْبِطْ هَذَا مِنْهُ وَمَعَهُ مَنْ يَضْبِطُهُ مِنْهُ بِرُؤْيَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَعْمَى وَكَانَ لاَ يَضْبِطُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إلَّا هَكَذَا وَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدٍ يَفْعَلُ هَذَا بِهِ غَسَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَعَلَيْهِ إعَادَةُ كُلِّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَا يَقْدِرُ عَلَى غُسْلِهِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَمَتَى لَمْ يَقْدِرْ وَصَلَّى أَمَرْتُهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَغْسِلُهُ إذَا قَدَرَ وَقَضَى مَا صَلَّى بِلاَ غُسْلٍ وَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْجَسَدِ فَغَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُيَمِّمَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ فَقَطْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُيَمِّمَ مَوْضِعَ الْقُرْحِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَكُونُ طَهَارَةً إلَّا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَكُلُّ مَا عَدَاهُمَا فَالتُّرَابُ لاَ يُطَهِّرُهُ. وَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ فِي الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ يَمَّمَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَغَسَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَعْدُ مِنْ بَدَنِهِ وَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ الَّذِي فِي مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ قُرْحًا لَيْسَ بِكَبِيرٍ أَوْ كَبِيرًا لَمْ يُجِزْهُ إلَّا أَنْ يُمِرَّ التُّرَابَ عَلَيْهِ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لاَ يَضُرُّهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَهُ أَفْوَاهٌ مُفَتَّحَةٌ أَمَرَّ التُّرَابَ عَلَى مَا انْفَتَحَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَأَفْوَاهُهُ وَمَا حَوْلَ أَفْوَاهِهِ وَكُلُّ مَا يَظْهَرُ لَهُ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لاَ يَضُرُّهُ. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُلْصِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ لُصُوقًا يَمْنَعُ التُّرَابَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَ اللُّصُوقَ عِنْدَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَأَى أَنَّ أَعْجَلَ لِبُرْئِهِ أَنْ يَدَعَهُ وَكَذَلِكَ لاَ يُلَطِّخَهُ بِشَيْءٍ لَهُ ثَخَانَةٌ تَمْنَعُ مُمَاسَّةَ التُّرَابِ الْبَشَرَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْبَشَرَةِ الَّذِي يُوَارِيهِ شَعْرُ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَاسَّ بِالتُّرَابِ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ لِلْحَائِلِ دُونَهَا مِنْ الشَّعْرِ وَيُمِرَّ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ اللِّحْيَةِ التُّرَابَ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْبِطَ الشَّعْرَ مِنْ اللِّحْيَةِ حَتَّى يَمْنَعَهَا أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ التُّرَابُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَأَلْصَقَ عَلَيْهَا خِرْقَةً تَلُفُّ مَوْضِعَ الْقُرْحَةِ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا إزَالَةُ الْخِرْقَةِ حَتَّى يُمَاسَّ الْمَاءُ كُلَّ مَا عَدَا الْقُرْحَةِ فَإِنْ كَانَ الْقُرْحُ الَّذِي بِهِ كَسْرًا لاَ يَرْجِعُ إلَّا بِجَبَائِرَ فَوَضَعَ الْجَبَائِرَ عَلَى مَا مَاسَّتْهُ وَوَضَعَ عَلَى مَوْضِعِ الْجَبَائِرِ غَيْرَهَا إنْ شَاءَ إذَا أُلْقِيَتْ الْجَبَائِرُ وَمَا مَعَهَا مَاسَّ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَضَعَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ إذَا أَحْدَثَ طَرْحُهُ وَإِمْسَاسُهُ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ إنْ ضَرَّهُ الْمَاءُ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ بِحَالٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَبْعَدَ مِنْ بُرْئِهِ وَأَقْبَحَ فِي جَبْرِهِ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ خَوْفُ تَلَفٍ وَلاَ أَحْسَبُ جَبْرًا يَكُونُ فِيهِ تَلَفٌ إذَا نُحِّيَتْ الْجَبَائِرُ عَنْهُ وَوُضِّئَ أَوْ يُمِّمَ وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ أَبْطَأُ لِلْبُرْءِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْكَسْرِ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ إذَا أُلْقِيَتْ الْجَبَائِرُ وَمَا مَعَهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَمْسَحَ بِالْمَاءِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَيَتَيَمَّمَ وَيُعِيدَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُضُوءِ. وَالْآخَرُ لاَ يُعِيدُ وَمَنْ قَالَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ قَالَ لاَ يَضَعُهَا إلَّا عَلَى وُضُوءٍ فَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا عَلَى وُضُوءٍ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهَا كَمَا يَقُولُ فِي الْخُفَّيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يَعْدُو بِالْجَبَائِرِ أَبَدًا مَوْضِعَ الْكَسْرِ إذَا كَانَ لاَ يُزِيلُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ انْكَسَرَ إحْدَى زَنْدَيْ يَدَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْسَحَ بِالْمَاءِ عَلَى الْجَبَائِرِ. وَلَوْ عَرَفْت إسْنَادَهُ بِالصِّحَّةِ قُلْت بِهِ. قَالَ الرَّبِيعُ أَحَبُّ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنْ يُعِيدَ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بِوُضُوءٍ بِالْمَاءِ وَلاَ يَتَيَمَّمُ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى التَّيَمُّمَ بَدَلاً مِنْ الْمَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى الْعُضْوِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ كَانَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ أَنْ يُعِيدَهُ وَهَذَا مِمَّا اُسْتُخِيرَ اللَّهُ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ فِي الْوُضُوءِ إذَا كَانَ الْقُرْحُ وَالْكَسْرُ- الْقَوْلُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ لاَ يَخْتَلِفَانِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ فَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَائِضُ تَطْهُرُ مِثْلَ الْجُنُبِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْت وَهَكَذَا لَوْ وَجَبَ عَلَى رَجُلٍ غُسْلٌ بِوَجْهِهِ غَسَلَ، أَوْ امْرَأَةٍ كَانَ هَكَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَائِضِ أَثَرُ الدَّمِ وَعَلَى الْجُنُبِ النَّجَاسَةُ فَإِنْ قَدَرَا عَلَى مَاءٍ اغْتَسَلاَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا وَلاَ يُعِيدَانِ الصَّلاَةَ فِي وَقْتٍ وَلاَ غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُجْزِئُ مَرِيضًا غَيْرَ الْقَرِيحِ وَلاَ أَحَدًا فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ يَخَافُ التَّلَفَ إنْ اغْتَسَلَ أَوْ ذَا مَرَضٍ شَدِيدٍ يَخَافُ مِنْ الْمَاءِ إنْ اغْتَسَلَ وَلاَ ذَا قُرُوحٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا- غُسْلُ النَّجَاسَةَ وَالْغُسْلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَتْلَفُ إنْ فَعَلَ وَيَتَيَمَّمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي وَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ النَّجَاسَةَ إذَا ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُلْت لاَ يُجْزِيهِ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا وَلاَ يُعِيدَانِ الصَّلاَةَ فِي وَقْتٍ وَلاَ غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ كُلُّ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُمَا مُغْتَسِلَيْنِ أَوْ مُتَوَضِّئَيْنِ فَلاَ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ إلَّا الْمَاءُ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَمُتَوَضِّئٍ مَاءً تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ غَسَلَ مَا أَصَابَ النَّجَاسَةُ مِنْهُ وَاغْتَسَلَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَتَوَضَّأَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا وَالنَّجَاسَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ إلَّا الْمَاءُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ وَجَدَ مَا يُنَقِّي النَّجَاسَةَ عَنْهُ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُطَهِّرُهُ لِغُسْلٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ وُضُوءٍ غَسَلَ أَثَرَ النَّجَاسَةِ عَنْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى طَاهِرًا مِنْ النَّجَاسَةِ وَطَاهِرًا بِالتَّيَمُّمِ مِنْ بَعْدِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. قَالَ وَإِذَا وَجَدَ الْجُنُبُ مَاءً يَغْسِلُهُ وَهُوَ يَخَافُ الْعَطَشَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ النَّجَاسَةَ إنْ أَصَابَتْهُ عَنْهُ وَيَتَيَمَّمَ وَلاَ يُجْزِيهِ فِي النَّجَاسَةِ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ غَسْلِهَا فَإِنْ خَافَ إذَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ الْعَطَشَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ مَسَحَ النَّجَاسَةَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَعَادَ الصَّلاَةَ إذَا طَهَّرَ النَّجَاسَةَ بِالْمَاءِ، لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ لاَ يَخَافُ الْعَطَشَ وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ لاَ يَغْسِلُهُ إنْ غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَلاَ النَّجَاسَةَ إنْ أَفَاضَهُ عَلَيْهِ غَسَلَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ غَسَلَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَاءِ مَعَهُ مَا شَاءَ مِنْ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ بِغُسْلِ جَسَدِهِ لاَ بَعْضِهِ فَالْغُسْلُ عَلَى كُلِّهِ فَأَيُّهَا شَاءَ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْ غَيْرَهَا وَلَيْسَتْ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ بِأَوْجَبَ فِي الْجَنَابَةِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى طَاهِرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ لَمْ يُجِزْهُ فِي النَّجَاسَةِ تُصِيبُهُ إلَّا غَسْلُهَا بِالْمَاءِ وَأَجْزَأَ فِي الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ؟ قِيلَ لَهُ: أَصْلُ الطَّهَارَةِ الْمَاءُ إلَّا حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ التُّرَابَ طَهَارَةً وَذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ فَلاَ يَطْهُرُ بَشَرٌ وَلاَ غَيْرُهُ مَاسَّتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا بِالْمَاءِ إلَّا حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا حَيْثُ تَعَبَّدَهُ بِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَالتَّعَبُّدُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَرْضُ تَعَبُّدٍ لَيْسَ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ قَائِمَةٍ وَالنَّجَاسَةُ إذَا كَانَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ فَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِإِزَالَتِهَا بِالْمَاءِ حَتَّى لاَ تَكُونَ مَوْجُودَةً فِي بَدَنِهِ وَلاَ فِي ثَوْبِهِ إذَا كَانَ إلَى إخْرَاجِهَا سَبِيلٌ وَهَذَا تَعَبُّدٌ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَجْعَلْ التُّرَابَ بَدَلاً مِنْ نَجَاسَةٍ تُصِيبُهُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ وَهُوَ نَجَاسَةٌ فَكَانَتْ النَّجَاسَةُ عِنْدَنَا عَلَى أَصْلِهَا لاَ يُطَهِّرُهَا إلَّا الْمَاءُ وَالتَّيَمُّمُ يُطَهِّرُ حَيْثُ جُعِلَ وَلاَ يَتَعَدَّى بِهِ حَيْثُ رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَصَابَتْ الْمَرْأَةَ جَنَابَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَهِيَ حَائِضٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَغْتَسِلُ فَتَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَهِيَ لاَ تَطْهُرُ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَهِيَ حَائِضٌ فَإِذَا ذَهَبَ الْحَيْضُ عَنْهَا أَجْزَأَهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَلَمَتْ وَهِيَ حَائِضٌ أَجْزَأَهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غُسْلٌ وَإِنْ كَثُرَ احْتِلاَمُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضِ فَتَغْتَسِلَ غُسْلاً وَاحِدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَائِضُ فِي الْغُسْلِ كَالْجُنُبِ لاَ يَخْتَلِفَانِ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ لِلْحَائِضِ إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مِسْكٍ فَتَتْبَعَ بِهِ آثَارَ الدَّمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِسْكٌ فَطِيبٌ مَا كَانَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَالْتِمَاسًا لِلطِّيبِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ مِمَّا سِوَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ عَنْ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ فَقَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا». فَقَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: «تَطَهَّرِي بِهَا»، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاسْتَتَرَ بِثَوْبِهِ تَطَهَّرِي بِهَا فَاجْتَذَبْتهَا وَعَرَفْت الَّذِي أَرَادَ وَقُلْت لَهَا تَتَّبِعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ» يَعْنِي الْفَرْجَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالرَّجُلُ الْمُسَافِرُ لاَ مَاءَ مَعَهُ وَالْمُعْزِبُ فِي الْإِبِلِ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ وَيُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ إذَا غَسَلَ مَا أَصَابَ ذَكَرَهُ وَغَسَلَتْ الْمَرْأَةُ مَا أَصَابَ فَرْجِهَا أَبَدًا حَتَّى يَجِدَا الْمَاءَ فَإِذَا وَجَدَا الْمَاءَ فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَغْتَسِلاَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله تعالى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلاً كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يُصَلِّيَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ. وَأَخْبَرَنَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: «إنْ وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك». جِمَاعُ التَّيَمُّمِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ} الآيَةَ. وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي حَالَيْنِ: أَحَدِهِمَا السَّفَرُ وَالْإِعْوَازُ مِنْ الْمَاءِ وَالْآخَرِ لِلْمَرِيضِ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ فِي سَفَرٍ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ طَلَبَ الْمَاءِ لِقَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ مُجْتَازًا مِنْ بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ قَصَرَ السَّفَرُ أَمْ طَالَ وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ السُّنَّةِ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ بَعْضٍ وَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ سَفَرًا بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا يَتَيَمَّمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الْجَرْفِ حَتَّى إذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلاَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْجَرْفُ قَرِيبٌ مِنْ الْمَدِينَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوَاقِيتِ لِلصَّلاَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالْقِيَامِ إلَيْهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا، وَكَذَلِكَ أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَالْإِعْوَازِ مِنْ الْمَاءِ فَمَنْ تَيَمَّمَ لِصَلاَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَطَلَبِ الْمَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا الَّذِي إذَا صَلَّاهَا فِيهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَطَلَبَ الْمَاءَ فَأَعْوَزَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَلاَ يَنْتَظِرَ آخِرَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلاَةِ فَأَعْوَزَهُ الْمَاءُ وَهُوَ إذَا صَلَّى حِينَئِذٍ أَجْزَأَ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَلَوَّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَسْت أَسْتَحِبُّهُ كَاسْتِحْبَابِي فِي كُلِّ حَالِ تَعْجِيلَ الصَّلاَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ التَّيَمُّمَ إلَى أَنْ يُؤَيَّسَ مِنْهُ أَوْ يَخَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَيَتَيَمَّمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ قَبْلَ طَلَبِ الْمَاءِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَهُ حَتَّى يَكُونَ تَيَمَّمَ بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَهُ وَلاَ يَجِدَهُ، وَطَلَبُ الْمَاءِ أَنْ يَطْلُبَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ طَلَبَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَإِنْ بَذَلَهُ غَيْرُهُ بِلاَ ثَمَنٍ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ غَيْرُ خَائِفٍ إنْ اشْتَرَاهُ الْجُوعَ فِي سَفَرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَهُوَ يَجِدُهُ بِهَذِهِ الْحَالِ إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُعْطَاهُ مُتَطَوِّعًا لَهُ بِإِعْطَائِهِ أَوْ بَاعَهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِهِ قَلِيلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا بِئْرًا وَلاَ حَبْلَ مَعَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا حَلًّا أَوْ حَبْلاً أَوْ ثِيَابًا فَلاَ حَلَّ حَتَّى يَصِلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ أَوْ رَامٍ شَنًّا أَوْ دَلْوًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ دَلَّى طَرَفَ الثَّوْبِ ثُمَّ اعْتَصَرَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ مَاءٌ ثُمَّ أَعَادَهُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمْ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَفْعَلُهُ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى نُزُولِهَا بِأَمْرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ خَوْفٌ نَزَلَهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِخَوْفٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ دُلَّ عَلَى مَاءٍ قَرِيبٍ مِنْ حَيْثُ تَحْضُرُهُ الصَّلاَةُ فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْطَعُ بِهِ صُحْبَةَ أَصْحَابِهِ وَلاَ يَخَافُ عَلَى رَحْلِهِ إذَا وَجَّهَ إلَيْهِ وَلاَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ الْوَقْتِ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ ضَيَاعَ رَحْلِهِ وَكَانَ أَصْحَابُهُ لاَ يَنْتَظِرُونَهُ أَوْ خَافَ طَرِيقَهُ أَوْ فَوْتَ وَقْتٍ إنْ طَلَبَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ بِئْرًا كَانَتْ مِنْهُ قَرِيبًا يَقْدِرُ عَلَى مَائِهَا لَوْ عَلِمَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَلَوْ أَعَادَ كَانَ احْتِيَاطًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا فِي رَحْلِهِ وَالْبِئْرِ لاَ يَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَنَّ مَا فِي رَحْلِهِ شَيْءٌ كَعِلْمِهِ أَمْرَ نَفْسِهِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ فِي نَفْسِهِ الْإِحَاطَةَ وَمَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ شَيْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ فِي غَيْرِهِ الظَّاهِرَ لاَ الْإِحَاطَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَحَالَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ أَوْ حَرِيقٌ حَتَّى لاَ يَصِلَ إلَيْهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ إذَا كَانَ لاَ يَصِلُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَأَخْطَأَ رَحْلَهُ وَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ طَلَبَ مَاءً فَلَمْ يَجِدْهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ فِي مَرْكَبِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبَحْرِ لِلشِّدَّةِ بِحَالٍ وَلاَ عَلَى شَيْءٍ يُدْلِيهِ يَأْخُذُ بِهِ مِنْ الْبَحْرِ بِحَالٍ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلاَ يُعِيدُ وَهَذَا غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْمَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ يَجْزِي التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَيُحْدِثَ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجْزِي التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ لَمْ يُجِزْهُ التَّيَمُّمُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِلتَّيَمُّمِ بَعْدَ طَلَبِهِ الْمَاءَ وَإِعْوَازِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا نَوَى التَّيَمُّمَ لِيَتَطَهَّرَ لِصَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلَّى بَعْدَهَا النَّوَافِلَ وَقَرَأَ فِي الْمُصْحَفِ وَصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ وَسَجَدَ سُجُودَ الْقُرْآنِ وَسُجُودَ الشُّكْرِ فَإِذَا حَضَرَتْ مَكْتُوبَةٌ غَيْرُهَا وَلَمْ يُحْدِثْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا بِأَنْ يَطْلُبَ لَهَا الْمَاءَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ اسْتَأْنَفَ نِيَّةً يَجُوزُ لَهُ بِهَا التَّيَمُّمُ لَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فَصَلَّى الْأُولَى مِنْهُمَا وَطَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ أَحْدَثَ نِيَّةً يَجُوزُ لَهُ بِهَا التَّيَمُّمُ ثُمَّ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي تَلِيهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ لِكُلِّ صَلاَةٍ مِنْهَا كَمَا وَصَفْت لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ صَلَّى صَلاَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَعَادَ الْآخِرَةَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُجْزِيهِ لِلْأُولَى وَلاَ يُجْزِيهِ لِلْآخِرَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ تَيَمَّمَ يَنْوِي نَافِلَةً أَوْ جِنَازَةً أَوْ قِرَاءَةَ مُصْحَفٍ أَوْ سُجُودَ قُرْآنٍ أَوْ سُجُودَ شُكْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَكْتُوبَةً حَتَّى يَنْوِيَ بِالتَّيَمُّمِ الْمَكْتُوبَةَ. قَالَ وَكَذَلِكَ إنْ تَيَمَّمَ فَجَمَعَ بَيْنَ صَلَوَاتٍ فَائِتَاتٍ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ لِلْأُولَى مِنْهُنَّ وَلَمْ يُجِزْهُ لِغَيْرِهَا وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بِتَيَمُّمٍ لِصَلاَةٍ غَيْرِهَا وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ تَيَمَّمَ يَنْوِي بِالتَّيَمُّمِ الْمَكْتُوبَةَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا نَافِلَةً وَعَلَى جِنَازَةٍ وَقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ وَيَسْجُدُ سُجُودَ الشُّكْرِ وَالْقُرْآنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ لاَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فَرِيضَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِهِ النَّوَافِلَ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا؟ قِيلَ لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَمَرَ الْقَائِمَ إلَى الصَّلاَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقَالُ لَهُ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ طَلَبِهِ الْمَاءَ وَالْإِعْوَازُ مِنْهُ نِيَّةٌ فِي طَلَبِهِ وَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا عَنَى فَرْضَ الطَّلَبِ لِمَكْتُوبَةٍ فَلَمْ يَجُزْ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ فِي التَّيَمُّمِ لِغَيْرِ مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ مَكْتُوبَةً وَكَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ مَا عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يَكُونُ لَهُ طَهَارَةً إلَّا بِأَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ فَيَعُوزُهُ فَقُلْنَا لاَ يُصَلِّي مَكْتُوبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى وَكَانَتْ النَّوَافِلُ أَتْبَاعًا لِلْفَرَائِضِ لاَ لَهَا حُكْمٌ سِوَى حُكْمَ الْفَرَائِضِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ إلَّا عَلَى شَرْطٍ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ فَوَجَدَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَهَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ عِرْقٌ سَائِلٌ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ لاَ يَخْتَلِفُ هُوَ وَالْمُتَيَمِّمُ فِي أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ لاَ طَهَارَةٌ عَلَى كَمَالٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لاَ يَطْمَعُ فِيهِ بِمَاءٍ قِيلَ: لَيْسَ يَنْقَضِي الطَّمَعُ بِهِ قَدْ يَطْلُعُ عَلَيْهِ الرَّاكِبُ مَعَهُ الْمَاءُ وَالسَّيْلُ وَيَجِدُ الْحَفِيرَةَ وَالْمَاءَ الظَّاهِرَ وَالِاخْتِبَاءَ حَيْثُ لاَ يُمْكِنُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْمَكْتُوبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَإِنْ كَانَ طَلَعَ عَلَيْهِ رَاكِبٌ بِمَاءٍ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ أَوْ وَجَدَ مَاءً فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لَمْ يُجِزْهُ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ وَأَحْدَثَ بَعْدَ إعْوَازِهِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي رَآهُ نِيَّةً فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ يَجُوزُ لَهُ بِهَا الصَّلاَةُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْمَكْتُوبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَإِنْ كَانَ طَلَعَ عَلَيْهِ رَاكِبٌ بِمَاءٍ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ أَوْ وَجَدَ مَاءً فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لَمْ يُجِزْهُ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ وَأَحْدَثَ بَعْدَ إعْوَازِهِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي رَآهُ نِيَّةً فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ يَجُوزُ لَهُ بِهَا الصَّلاَةُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْمَكْتُوبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَإِنْ كَانَ طَلَعَ عَلَيْهِ رَاكِبٌ بِمَاءٍ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ أَوْ وَجَدَ مَاءً فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لَمْ يُجِزْهُ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ وَأَحْدَثَ بَعْدَ إعْوَازِهِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي رَآهُ نِيَّةً فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ يَجُوزُ لَهُ بِهَا الصَّلاَةُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ تَيَمَّمَ فَدَخَلَ فِي نَافِلَةٍ أَوْ فِي صَلاَةٍ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ مَضَى فِي صَلاَتِهِ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا ثُمَّ إذَا انْصَرَفَ تَوَضَّأَ إنْ قَدَرَ لِلْمَكْتُوبَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَحْدَثَ نِيَّةً لِلْمَكْتُوبَةِ فَتَيَمَّمَ لَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ نَافِلَةً فَكَبَّرَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ مَضَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَبَ الْمَاءَ. قَالَ وَإِذَا تَيَمَّمَ فَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلاَةَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا فَإِذَا أَتَمَّهَا تَوَضَّأَ لِصَلاَةٍ غَيْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَنَقَّلَ بِتَيَمُّمِهِ لِلْمَكْتُوبَةِ إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا. وَلَوْ تَيَمَّمَ فَدَخَلَ فِي مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ رَعَفَ فَانْصَرَفَ لِيَغْسِلَ الدَّمَ عَنْهُ فَوَجَدَ الْمَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ حَتَّى يُحْدِثَ وُضُوءًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حَالٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ إذَا رَعَفَ طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ مَا يُوَضِّئُهُ وَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ الدَّمَ عَنْهُ غَسَلَهُ وَاسْتَأْنَفَ تَيَمُّمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ صَارَ إلَى حَالٍ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا كَانَتْ قَائِمَةً فَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ تُوجِبُ عَلَيْهِ طَلَبَهُ فَإِذَا طَلَبَهُ فَأَعْوَزَهُ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ نِيَّةٍ تُجِيزُ لَهُ التَّيَمُّمَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَرَى الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ الدُّخُولُ فِيهَا حَتَّى يَطْلُبَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ اسْتَأْنَفَ نِيَّةً وَتَيَمُّمًا وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الصَّلاَةِ فَيَرَى الْمَاءَ جَارِيًا إلَى جَنْبِهِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَقَدْ صَلَّتْ رَكْعَةً تَقَنَّعَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهَا لاَ يُجْزِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- إنِّي آمُرُ الْأَمَةَ بِالْقِنَاعِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهَا وَالْمَرِيضَ بِالْقِيَامِ إذَا أَطَاقَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي صَلاَتِهِمَا بَعْدُ وَحُكْمُهُمَا فِي حَالِهِمَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِمَا أَنْ تَقَنَّعَ هَذِهِ حُرَّةً وَيَقُومَ هَذَا مُطِيقًا وَلاَ أَنْقُضُ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا الْأُولَى غَيْرُ حَالِهِمَا الْأُخْرَى وَالْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ عَمَلاَنِ غَيْرُ الصَّلاَةِ فَإِذَا كَانَا مَضَيَا وَهُمَا يَجْزِيَانِ حَلَّ لِلدَّاخِلِ الصَّلاَةُ وَكَانَا مُنْقَضَيْنِ مَفْرُوغًا مِنْهُمَا وَكَانَ الدَّاخِلُ مُطِيعًا بِدُخُولِهِ فِي الصَّلاَةِ وَكَانَ مَا صَلَّى مِنْهَا مَكْتُوبًا لَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْبِطَ عَمَلَهُ عَنْهُ مَا كَانَ مَكْتُوبًا لَهُ فَيَسْتَأْنِفَ وُضُوءًا وَإِنَّمَا أَحْبَطَ اللَّهُ الْأَعْمَالَ بِالشِّرْكِ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهُ تَوَضَّأْ وَابْنِ عَلَى صَلاَتِك فَإِنْ حَدَثَتْ حَالَةٌ لاَ يَجُوزُ لَهُ فِيهَا ابْتِدَاءُ التَّيَمُّمِ وَقَدْ تَيَمَّمَ فَانْقَضَى تَيَمُّمُهُ وَصَارَ إلَى صَلاَةٍ وَالصَّلاَةُ غَيْرُ التَّيَمُّمِ فَانْفَصَلَ لِصَلاَةٍ بِعَمَلِ غَيْرِهَا وَقَدْ انْقَضَى وَهُوَ يَجْزِي أَنْ يَدْخُلَ بِهِ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَيَمِّمِ حُكْمٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلاَةِ فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا بِهِ كَانَ حُكْمُهُ مُنْقَضِيًا وَاَلَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَوَّلَ الصَّلاَةِ يَحِلُّ لَهُ آخِرَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ الصِّمَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْقُولٌ: إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ بَدَلاً مِنْ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَنْ يُؤْتَى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى مَا يُؤْتَى بِالْوُضُوءِ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا ذَكَرَهُمَا فَقَدْ عَفَا فِي التَّيَمُّمِ عَمَّا سِوَاهُمَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ إلَّا أَنْ يُيَمِّمَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَكُونُ الْمِرْفَقَانِ فِيمَا يُيَمِّمُ فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا لَمْ يُمِرَّ عَلَيْهِ التُّرَابَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُيَمِّمَهُ وَإِنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يُيَمِّمَهُ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّ مَا أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ مِنْهُ أَوْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ طَرَفُهُ وَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَإِعَادَةُ كُلِّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهُ. قال: وَإِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَمَسَّ يَدَيْهِ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا أَجْزَأَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَةً لِوَجْهِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَضْرِبَهَا بِيَدَيْهِ مَعًا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ضَرْبِهَا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى جَمِيعِ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهَا بِبَعْضِ يَدَيْهِ إنَّمَا أَنْظُرُ مِنْ هَذَا إلَى أَنْ يُمِرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ التُّرَابَ بِشَيْءٍ فَأَخَذَ الْغُبَارَ مِنْ أَدَاتِهِ غَيْرَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ إنْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ سَفَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ تُرَابًا عَمَّهُ فَأَمَرَّ مَا عَلَى وَجْهِهِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِوَجْهِهِ وَلَوْ أَخَذَ مَا عَلَى رَأْسِهِ لِوَجْهِهِ فَأَمَرَّهُ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ مَا عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ غَيْرِ وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ مَعًا لِذِرَاعَيْهِ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ إذَا يَمَّمَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْسَحَ يَدًا إلَّا بِالْيَدِ الَّتِي تُخَالِفُهَا فَيَمْسَحَ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَالْيُسْرَى بِالْيُمْنَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ بِالتُّرَابِ وَيَتَتَبَّعُ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ بِالتُّرَابِ كَمَا يَتَتَبَّعُهَا بِالْمَاءِ. قال: وَكَيْفَمَا جَاءَ بِالْغُبَارِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ أَجْزَأَهُ أَوْ أَتَى بِهِ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ كَمَا قُلْت فِي الْوَجْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجْهُ التَّيَمُّمِ مَا وَصَفْت مِنْ ضَرْبِهِ بِيَدَيْهِ مَعًا لِوَجْهِهِ ثُمَّ يُمِرَّهُمَا مَعًا عَلَيْهِ وَعَلَى ظَاهِرِ لِحْيَتِهِ وَلاَ يُجْزِيهِ غَيْرُهُ وَلاَ يَدَعُ إمْرَارَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ مَعًا لِذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَضَعُ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى فِي بَطْنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يُمِرَّ بَطْنَ رَاحَتِهِ عَلَى ظَهْرِ ذِرَاعِهِ وَيُمِرَّ أَصَابِعَهُ عَلَى حَرْفِ ذِرَاعِهِ وَأُصْبُعِهِ الْإِبْهَامِ عَلَى بَطْنِ ذِرَاعِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْظَفَ وَإِنْ اسْتَوْظَفَ فِي الْأُولَى كَفَاهُ مِنْ أَنْ يَقْلِبَ يَدَهُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ يُمْنَى يَدَيْهِ يَمَّمَ يُسْرَى ذِرَاعَيْهِ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى. قال: وَإِنْ بَدَأَ بِيَدَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ أَعَادَ فَيَمَّمَ وَجْهَهُ ثُمَّ يُيَمِّمَ ذِرَاعَيْهِ وَإِنْ بَدَأَ بِيُسْرَى ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ يُمْنَاهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَكَرِهْت ذَلِكَ لَهُ كَمَا قُلْت فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ أَوْ الْيَدَيْنِ يَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ يَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُمِرَّ التُّرَابَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدِينُ لَهُ عَلَيْهِمَا فَرْضُ وُضُوءٍ وَلاَ تَيَمُّمٍ وَفَرْضُ التَّيَمُّمِ مِنْ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ. وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ فَأَمَرَّ التُّرَابَ عَلَى الْعَضُدَيْنِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا قُلْت بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ الْيَدِ وَلَيْسَ بِلاَزِمٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَّمَ ذِرَاعَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْيَدَيْنِ كَفَرْضِهِ عَلَى الْوُضُوءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ أَقْطَعَ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُيَمِّمَهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُلَوِّثَ يَدَيْهِ بِالتُّرَابِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا أَوْ يَحْتَالَ لَهُ بِوَجْهٍ إمَّا بِرِجْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لاَثَ بِوَجْهِهِ لَوْثًا رَفِيقًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْغُبَارِ عَلَيْهِ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِيَدَيْهِ وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى لَوْثِهِمَا مَعًا لاَثَ إحْدَاهُمَا وَصَلَّى وَأَعَادَ الصَّلاَةَ إذَا قَدَرَ عَلَى مَنْ يُيَمِّمُهُ أَوْ يُوَضِّئُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ الْمُسَافِرُ مَاءً لاَ يُطَهِّرُ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَغْسِلُ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَيَتَيَمَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الرَّبِيعُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَمْ تَتِمَّ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَرِيحًا غَسَلَ مَا صَحَّ مِنْهُ وَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَيَمَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُجْزِيهِ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْغُبَارِ عَلَى مَا يَأْتِيَ عَلَيْهِ بِالْوُضُوءِ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ لَمْ تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ فَهُوَ صَعِيدٌ طَيِّبٌ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَكُلُّ مَا حَالَ عَنْ اسْمِ صَعِيدٍ لَمْ يَتَيَمَّمْ بِهِ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ صَعِيدٍ إلَّا عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ وَإِنْ خَالَطَهُ تُرَابٌ أَوْ مَدَرٌ يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ كَانَ الَّذِي خَالَطَهُ هُوَ الصَّعِيدُ وَإِذَا ضَرَبَ الْمُتَيَمِّمُ عَلَيْهِ بِيَدَيْهِ فَعَلِقَهُمَا غُبَارٌ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِذَا ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَعْلَقْهُ غُبَارٌ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ لَمْ يُجِزْهُ وَهَكَذَا كُلُّ أَرْضٍ سَبْخُهَا وَمَدَرُهَا وَبَطْحَاؤُهَا وَغَيْرُهُ فَمَا عَلِقَ مِنْهُ إذَا ضَرَبَ بِالْيَدِ غُبَارٌ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ وَمَا لَمْ يَعْلَقْ بِهِ غُبَارٌ فَتَيَمَّمَ بِهِ لَمْ يُجِزْهُ وَهَكَذَا إنْ نَفَضَ الْمُتَيَمِّمُ ثَوْبَهُ أَوْ بَعْضَ أَدَاتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ غُبَارُ تُرَابٍ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ التُّرَابُ دَقْعَاءَ فَضَرَبَ فِيهِ الْمُتَيَمِّمُ بِيَدَيْهِ فَعَلِقَهُمَا مِنْهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْفُضَ شَيْئًا إذَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ غُبَارٌ يُمَاسَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ بَدَأَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى التُّرَابِ وَضْعًا رَفِيقًا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَإِنْ عَلِقَ بِيَدَيْهِ تُرَابٌ كَثِيرٌ فَأَمَرَّهُ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ عَلِقَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ لَمْ يُجِزْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي عَلَى وَجْهِهِ فَيَمْسَحَ بِهِ ذِرَاعَيْهِ وَلاَ يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ تُرَابًا غَيْرَهُ لِذِرَاعَيْهِ فَإِنْ أَمَرَّهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ عَادَ فَأَخَذَ تُرَابًا آخَرَ ثُمَّ أَمَرَّهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ فَيَمَّمَ بِهِ وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ أُخْرَى فَيَمَّمَ بِهِ ذِرَاعَيْهِ فَجَائِزٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَيَمَّمَ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَ مِنْهُ فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ غَيْرُ مَا يَبْقَى بَعْدَهَا. قَالَ وَإِذَا حَتَّ التُّرَابَ مِنْ الْجِدَارِ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ وَعَلِقَ بِهِمَا غُبَارُ تُرَابٍ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ لَمْ يُجِزْهُ وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ مُخْتَلِطًا بِنُورَةٍ أَوْ تِبْنٍ رَقِيقٍ أَوْ دَقِيقِ حِنْطَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ تُرَابًا مَحْضًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا حَالَ التُّرَابَ بِصَنْعَةٍ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ أَوْ صَعِيدٍ فَتَيَمَّمَ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَطْبُخَ قَصَبَةً أَوْ يَجْعَلَ آجُرًّا ثُمَّ يَدُقَّ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. قَالَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ بِنُورَةٍ وَلاَ كُحْلٍ وَلاَ زِرْنِيخٍ وَكُلُّ هَذَا حِجَارَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ دُقَّتْ الْحِجَارَةُ حَتَّى تَكُونَ كَالتُّرَابِ أَوْ الْفَخَّارِ أَوْ خُرِطَ الْمَرْمَرُ حَتَّى يَكُونَ غُبَارًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوَارِيرُ تُسْحَقُ وَاللُّؤْلُؤُ وَغَيْرُهُ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَالْأَطْيَابُ كُلُّهَا وَمَا يُسْحَقُ حَتَّى يَكُونَ غُبَارًا مِمَّا لَيْسَ بِصَعِيدٍ فَأَمَّا الطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ وَالطِّينُ الطَّيِّبُ الَّذِي يُؤْكَلُ فَإِنْ دُقَّ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ دُقَّ الْكَذَّانُ فَتَيَمَّمَ بِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّ الْكَذَّانَ حَجَرٌ خُوَارٌ وَلاَ يَتَيَمَّمُ بِشَبٍّ وَلاَ ذَرِيرَةٍ وَلاَ لِبَانِ شَجَرَةٍ وَلاَ سِحَالَةِ فِضَّةٍ وَلاَ ذَهَبٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرِ مَا وَصَفْت مِنْ الصَّعِيدِ وَلاَ يَتَيَمَّمُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّعِيدِ عَلِمَ الْمُتَيَمِّمُ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ بِحَالٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنْ قَدْ طَهُرَ بِالْمَاءِ كَمَا وَصَفْنَا مِنْ التُّرَابِ الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ الَّذِي لاَ جَسَدَ لَهُ قَائِمٌ مِثْلَ الْبَوْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى يَغْمُرَهُ وَمِنْ الْجَسَدِ الْقَائِمِ بِأَنْ يُزَالَ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ عَلَى مَوْضِعِهِ أَوْ يَحْفِرَ مَوْضِعَهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلاَ يَتَيَمَّمُ بِتُرَابِ الْمَقَابِرِ لِاخْتِلاَطِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى وَلُحُومِهِمْ وَعِظَامِهِمْ وَلَوْ أَصَابَهَا الْمَطَرُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَائِمٌ فِيهَا لاَ يُذْهِبُهُ الْمَاءُ إلَّا كَمَا يَذْهَبُ التُّرَابُ وَهَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ مِنْ الْأَنْجَاسِ مِمَّا يَعُودُ فِيهِ كَالتُّرَابِ وَإِذَا كَانَ التُّرَابُ مَبْلُولاً لَمْ يَتَيَمَّمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طِينٌ وَيَتَيَمَّمُ بِغُبَارٍ مِنْ أَيْنَ كَانَ فَإِنْ كَانَتْ ثِيَابُهُ وَرِجْلُهُ مَبْلُولَةً اسْتَجَفَّ مِنْ الطِّينِ شَيْئًا عَلَى بَعْضِ أَدَاتِهِ أَوْ جَسَدِهِ فَإِذَا جَفَّ حَتَّهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ لَطَّخَ وَجْهَهُ بِطِينٍ لَمْ يُجِزْهُ مِنْ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ وَهَكَذَا إنْ كَانَ التُّرَابُ فِي سَبْخَةٍ نَدِيَّةٍ لَمْ يَتَيَمَّمْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالطِّينِ لاَ غُبَارَ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي الطِّينِ وَلَمْ يَجِفَّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ صَلَّى ثُمَّ إذَا جَفَّ الطِّينُ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ الصَّلاَةَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِصَلاَةٍ صَلَّاهَا لاَ بِوُضُوءٍ وَلاَ تَيَمُّمٍ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فِي الْحُشِّ أَوْ فِي مَوْضِعٍ نَجِسِ التُّرَابِ وَلاَ يَجِدُ مَاءً أَوْ يَجِدُهُ وَلاَ يَجِدُ مَوْضِعًا طَاهِرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَلاَ شَيْئًا طَاهِرًا يَفْرِشُهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَّى يُومِئُ إيمَاءً وَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَنْ يُعِيدَ صَلاَتَهُ هَهُنَا وَإِنَّمَا أَمَرْته بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ بِحَالٍ فَلَمْ أَرَهُ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَمُرَّ بِهِ وَقْتُ صَلاَةٍ لاَ يُصَلِّي فِيهَا كَمَا أَمْكَنَهُ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ كَمَا يُجْزِيهِ وَهَكَذَا الْأَسِيرُ يُمْنَعُ وَالْمُسْتَكْرَهُ، وَمَنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْدِيَةِ الصَّلاَةِ صَلَّى كَمَا قَدَرَ جَالِسًا أَوْ مُومِيًا وَعَادَ فَصَلَّى مُكَمِّلاً لِلصَّلاَةِ إذَا قَدَرَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَحْبُوسُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَإِنْ كَانَ لاَ تُجْزِيهِ بِهِ صَلاَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ يَبْسُطُهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَبْسُطَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا قَالَ فَأَتَى بِأَيِّ شَيْءٍ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ جَاءَ بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَهَكَذَا إنْ حُبِسَ مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ وَهَكَذَا إنْ حُبِسَ مَرْبُوطًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ أَوْمَأَ إيمَاءً وَيَقْضِي فِي كُلِّ هَذَا إذَا قَدَرَ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْقَضَاءِ رَجَوْت لَهُ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ مَأْثَمٌ؛ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْدِيَةِ الصَّلاَةِ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى نِيَّتَهُ فِي تَأْدِيَتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاوَزَهُ نَادَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى الرَّدِّ عَلَيْك خَشْيَةَ أَنْ تَذْهَبَ فَتَقُولَ إنِّي سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَإِذَا رَأَيْتنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَلاَ تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ تَفْعَلْ لاَ أَرُدُّ عَلَيْك. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ الصِّمَّةِ قَالَ: مَرَرْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى قَامَ إلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصَا كَانَتْ مَعَهُ ثُمَّ مَسَحَ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بِئْرِ جَمَلٍ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَمَسَّحَ بِجِدَارٍ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَدِيثَانِ الْأَوَّلاَنِ ثَابِتَانِ، وَبِهِمَا نَأْخُذُ وَفِيهِمَا وَفِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُمَا دَلاَئِلُ مِنْهُ أَنَّ السَّلاَمَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَبَعْدَ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ وَالتَّيَمُّمِ لاَ يُجْزِي الْمَرْءَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لاَ يَكُونُ التَّيَمُّمُ فِيهِ طَهَارَةً لِلصَّلاَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجُوزُ وَالْمَرْءُ غَيْرُ طَاهِرٍ لِلصَّلاَةِ. قال: وَيُشْبِهُ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ غَيْرَ طَاهِرٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قال: وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ مَرَّ عَلَى مَنْ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ أَنْ يُكَفَّ عَنْ السَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَدَّ السَّلاَمِ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ وَعَلَى أَنَّ تَرْكَ الرَّدِّ حَتَّى يُفَارِقَ تِلْكَ الْحَالِ وَيَتَيَمَّمَ مُبَاحٌ ثُمَّ يَرُدَّ وَلَيْسَ تَرْكُ الرَّدِّ مُعَطِّلاً لِوُجُوبِهِ وَلَكِنَّ تَأْخِيرَهُ إلَى التَّيَمُّمِ. قال: وَتَرْكُ رَدِّ السَّلاَمِ إلَى التَّيَمُّمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ اخْتِيَارًا عَلَى الذِّكْرِ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَا مُبَاحَيْنِ لِرَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَبَعْدَهُ. قال: فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ لَمَّا تَيَمَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ السَّلاَمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَازَ لَهُ قُلْنَا بِالتَّيَمُّمِ لِلْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ ذَلِكَ وَخَافَ فَوْتَهُمَا قُلْنَا وَالْجِنَازَةُ وَالْعِيدُ صَلاَةٌ وَالتَّيَمُّمُ لاَ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ لِصَلاَةٍ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُمَا ذِكْرٌ جَازَ الْعِيدُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ كَمَا جَازَ فِي السَّلاَمِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَحَجَّرْت وَاسِعًا». قَالَ: فَمَا لَبِثَ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَكَأَنَّهُمْ عَجَّلُوا عَلَيْهِ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ فَعَجَّلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَقَالَ: «صُبُّوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا بِيلَ عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ الْبَوْلُ رَطْبًا مَكَانَهُ أَوْ نَشَّفَتْهُ الْأَرْضُ وَكَانَ مَوْضِعُهُ يَابِسًا فَصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُهُ حَتَّى يَصِيرَ الْبَوْلُ مُسْتَهْلَكًا فِي التُّرَابِ، وَالْمَاءُ جَارِيًا عَلَى مَوَاضِعِهِ كُلِّهَا مُزِيلاً لِرِيحِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ جَسَدٌ قَائِمٌ وَلاَ شَيْءَ فِي مَعْنَى جَسَدٍ مِنْ رِيحٍ وَلاَ لَوْنٍ فَقَدْ طَهُرَ وَأَقَلُّ قَدْرِ ذَلِكَ مَا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ كَالدَّلْوِ الْكَبِيرِ عَلَى بَوْلِ الرَّجُلِ وَإِنْ كَثُرَ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْهُ أَضْعَافًا لاَ أَشُكُّ فِي أَنَّ ذَلِكَ سَبْعُ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرُ لاَ يُطَهِّرُهُ شَيْءُ غَيْرُهُ. قال: فَإِنْ بَالَ عَلَى بَوْلِ الْوَاحِدِ آخَرُ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا دَلْوَانِ، وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ مَعَهُ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا ثَلاَثَةٌ وَإِنْ كَثُرُوا لَمْ يَطْهُرْ الْمَوْضِعُ حَتَّى يُفْرَغَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يُعْلَمُ أَنْ قَدْ صُبَّ مَكَانَ بَوْلِ كُلِّ رَجُلٍ دَلْوٌ عَظِيمٌ أَوْ كَبِيرٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ مَكَانُ الْبَوْلِ خَمْرًا صُبَّ عَلَيْهِ كَمَا يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِ مَا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ مِنْ التُّرَابِ فَقَدْ طَهُرَ التُّرَابُ الَّذِي خَالَطَهُ. قال: وَإِذَا ذَهَبَ لَوْنُهُ وَلَمْ يَذْهَبْ رِيحُهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا لاَ تَطْهُرُ الْأَرْضُ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا كَانَتْ الرَّائِحَةُ قَائِمَةً فِيهِ فَهِيَ كَاللَّوْنِ وَالْجَسَدِ فَلاَ تَطْهُرُ الْأَرْضُ حَتَّى يَصُبَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يُذْهِبُهُ فَإِنْ ذَهَبَتْ بِغَيْرِ صَبِّ مَاءٍ لَمْ تَطْهُرْ حَتَّى يُصَبَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَطْهُرُ بِهِ الْبَوْلُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا صُبَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يُطَهِّرُهَا وَذَهَبَ اللَّوْنُ وَالرِّيحُ لَيْسَ بِجَسَدٍ وَلاَ لَوْنٍ فَقَدْ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَإِذَا كَثُرَ مَا يُصَبُّ مِنْ الْخَمْرِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ كَكَثْرَةِ الْبَوْلِ يُزَادُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ كَمَا وَصَفْته يُزَادُ عَلَى الْبَوْلِ إذَا كَثُرَ وَكُلُّ مَا كَانَ غَيْرَ جَسَدٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى لاَ يُخَالِفُهُ فَإِنْ كَانَتْ جِيفَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَسَالَ مِنْهَا مَا يَسِيلُ مِنْ الْجِيَفِ فَأُزِيلَ جَسَدُهَا صُبَّ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ الْمَاءِ كَمَا وَصَفْته يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَإِذَا صُبَّ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ عَيْنٌ وَلاَ لَوْنٌ وَلاَ رِيحٌ فَهَكَذَا. قال: وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ عَلَيْهَا عَذِرَةٌ أَوْ دَمٌ أَوْ جَسَدٌ نَجَسٌ فَأُزِيلَ. قَالَ وَإِذَا صَبَّ عَلَى الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْ الذَّائِبِ كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَالصَّدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ أَثَرُهُ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ فَكَانَ فِي شَمْسٍ أَوْ غَيْرِ شَمْسٍ فَسَوَاءٌ وَلاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَإِنْ أَتَى عَلَى الْأَرْضِ مَطَرٌ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ يُصِيبُ مَوْضِعَ الْبَوْلِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي وَصَفْت أَنَّهُ يُطَهِّرُهُ كَانَ لَهَا طَهُورًا وَكَذَلِكَ إنْ أَتَى عَلَيْهَا سَيْلٌ يَدُومُ عَلَيْهَا قَلِيلاً حَتَّى تَأْخُذَ الْأَرْضُ مِنْهُ مِثْلَ مَا كَانَتْ آخِذَةً مِمَّا صُبَّ عَلَيْهَا وَلاَ أَحْسَبُ سَيْلاً يَمُرُّ عَلَيْهَا إلَّا أَخَذَتْ مِنْهُ مِثْلَ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يُطَهِّرُهَا مِنْ مَاءٍ يُصَبُّ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ يُحِيطُ بِأَنَّ سَيْلاً لَوْ مَسَحَهَا مَسْحَةً لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُطَهِّرُهَا لَمْ تَطْهُرْ حَتَّى يَصُبّ عَلَيْهَا مَا يُطَهِّرُهَا وَإِنْ صَبَّ عَلَى الْأَرْضِ نَجِسًا كَالْبَوْلِ فَبُودِرَ مَكَانُهُ فَحَفَرَ حَتَّى لاَ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ رَطْبٌ ذَهَبَتْ النَّجَاسَةُ كُلُّهَا وَطَهُرَتْ بِلاَ مَاءٍ وَإِنْ يَبِسَ وَبَقِيَ لَهُ أَثَرٌ فَحُفِرَتْ حَتَّى لاَ يَبْقَى يُرَى لَهُ أَثَرٌ لَمْ تَطْهُرْ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ لاَ يَكُونُ مِنْهُ إلَّا الْمَاءُ طَهُرَ حَيْثُ تَرَدَّدَ إلَّا أَنْ يُحِيطَ الْعِلْمُ أَنْ قَدْ أَتَى بِالْحَفْرِ عَلَى مَا يَبْلُغُهُ الْبَوْلُ فَيُطَهِّرُهُ فَأَمَّا كُلُّ جَسَدٍ وَمُسْتَجْسِدٍ قَائِمٍ مِنْ الْأَنْجَاسِ مِثْلَ الْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلاَ تَطْهُرُ الْأَرْضُ مِنْهُ إلَّا بِأَنْ يَزُولَ عَنْهَا ثُمَّ يُصَبَّ عَلَى رَطْبٍ إنْ كَانَ مِنْهُ فِيهَا مَا يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ فَإِنْ ذَهَبَتْ الْأَجْسَادُ فِي التُّرَابِ حَتَّى يَخْتَلِطَ بِهَا فَلاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهَا كَانَتْ كَالْمَقَابِرِ لاَ يُصَلَّى فِيهَا وَلاَ تَطْهُرُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ الْمُخْتَلَطِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِمَا فِي الْكَرَايِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَإِذَا ذَهَبَتْ جِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ فَكَانَ عَلَيْهَا مِنْ التُّرَابِ مَا يُوَارِيهَا وَلاَ يَرْطَبُ بِرُطُوبَةٍ إنْ كَانَتْ مِنْهَا كُرِهَتْ الصَّلاَةُ عَلَى مَدْفِنِهَا وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا مُصَلٍّ لَمْ آمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ وَهَكَذَا مَا دُفِنَ مِنْ الْأَنْجَاسِ مِمَّا لَمْ يَخْتَلِطْ بِالتُّرَابِ وَإِذَا ضُرِبَ اللَّبِنُ مِمَّا فِيهِ بَوْلٌ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ كَمَا يَصُبَّ عَلَى مَا يُبَلْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَكْرَهُ أَنْ يُفْرَشَ بِهِ مَسْجِدٌ أَوْ يُبْنَى بِهِ فَإِنْ بُنِيَ بِهِ مَسْجِدٌ أَوْ كَانَ مِنْهُ جُدْرَانُهُ كَرِهْتُهُ وَإِنْ صَلَّى إلَيْهَا مُصَلٍّ لَمْ أَكْرَهْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ جِيفَةٍ أَمَامَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ مَا يُمَاسَّهُ مِنْ الْأَرْضِ وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ اللَّبِنُ الَّذِي ضُرِبَ بِالْبَوْلِ مَطْبُوخًا أَوْ نِيئًا لاَ يَطْهُرُ اللَّبِنُ بِالنَّارِ وَلاَ تُطَهِّرُ شَيْئًا وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ كُلَّهُ كَمَا وَصَفْت لَكَ وَإِنْ ضُرِبَ اللَّبِنُ بِعِظَامِ مَيْتَةٍ أَوْ لَحْمِهَا أَوْ بِدَمٍ أَوْ بِنَجَسٍ مُسْتَجْسِدٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَبَدًا طُبِخَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ غُسِلَ أَوْ لَمْ يُغْسَلْ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ جُزْءٌ قَائِمٌ فِيهِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ غُسِّلَ بِمَاءِ الدُّنْيَا لَمْ يَطْهُرْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ جَسَدًا قَائِمًا وَلاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدٍ عَلَى الْأَرْضِ وَلاَ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَيْهِ دُونَهَا حَتَّى يَكُونُ جَمِيعُ مَا يُمَاسَّ جَسَدَهُ مِنْهَا طَاهِرًا كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ طَاهِرٍ فَكَانَ لاَ يُمَاسَّهُ وَمَا مَاسَّهُ مِنْهَا طَاهِرٌ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ كُلِّهِ وَسَوَاءٌ مَاسَّ مِنْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ جَبْهَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مَاسَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سَوَاءٌ مَا سَقَطَتْ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ مِنْهُ إذَا مَاسَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا نَجِسًا لَمْ تَتِمَّ صَلاَتُهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَالْبِسَاطُ وَمَا صَلَّى عَلَيْهِ مِثْلُ الْأَرْضِ إذَا قَامَ مِنْهُ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ نَجِسًا أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَلَيْسَ هَكَذَا الثَّوْبُ لَوْ لَبِسَ بَعْضَ ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَكَانَ بَعْضُهُ سَاقِطًا عَنْهُ وَالسَّاقِطُ عَنْهُ مِنْهُ غَيْرُ طَاهِرٍ لَمْ تُجِزْهُ صَلاَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ لاَبِسٌ لِثَوْبٍ وَيَزُولُ فَيَزُولُ بِالثَّوْبِ مَعَهُ إذَا كَانَ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ فَحَظُّهُ مِنْهَا مَا يُمَاسُّهُ وَإِذَا زَالَ لَمْ يَزُلْ بِهَا وَكَذَلِكَ مَا قَامَ عَلَيْهِ سِوَاهَا. وَإِذَا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ بِأَنْ قَدْ مَاسَّ بَعْدَ الْأَرْضِ نَجَاسَةً أَحْبَبْت أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَوْضِعًا لاَ يَشُكُّ أَنَّهُ لَمْ تُصِبْهُ نَجَاسَةٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَ عَنْهُ حَيْثُ صَلَّى إذَا لَمْ يَسْتَيْقِنْ فِيهِ النَّجَاسَةَ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ فَشَكَّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لاَ أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ وَالْأَرْضُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ فِيهَا النَّجَاسَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} قَالَ لاَ تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلاَةِ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلاَةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَمُرَّ الْجُنُبُ فِي الْمَسْجِدِ مَارًّا وَلاَ يُقِيمَ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ حِينَ أَتَوْا الْمَدِينَةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ كَانُوا يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ. مِنْهُمْ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، قَالَ جُبَيْرٌ: فَكُنْت أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فَلاَ يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ بِحَالٍ. قال: وَإِذَا بَاتَ الْمُشْرِكُ فِي الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرْوِي أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ زَمَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعْزَبُ وَمَسَاكِينُ الصُّفَّةِ. قَالَ وَلاَ تَنْجُسُ الْأَرْضُ بِمَمَرِّ حَائِضٍ وَلاَ جُنُبٍ وَلاَ مُشْرِكٍ وَلاَ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَحْيَاءِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ نَجَاسَةٌ وَأَكْرَهُ لِلْحَائِضِ تَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كُسِرَ لِلْمَرْأَةِ عَظْمٌ فَطَارَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُرَقِّعَهُ إلَّا بِعَظْمِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا وَكَذَلِكَ إنْ سَقَطَتْ سِنَّةٌ صَارَتْ مَيِّتَةً فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ فَلاَ يُعِيدُ سِنَّ شَيْءٍ غَيْرِ سِنٍّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ رَقَّعَ عَظْمَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ، أَوْ ذَكِيٍّ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ عَظْمِ إنْسَانٍ فَهُوَ كَالْمَيْتَةِ فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ وَإِعَادَةُ كُلِّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا وَهُوَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْلَعْهُ جَبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْلَعْ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُقْلَعْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا كُلَّهُ وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَكَذَلِكَ سِنَّةٌ إذَا نَدَرَتْ فَإِنْ اعْتَلَتْ سِنَّةٌ فَرَبَطَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْدُرَ فَلاَ بَأْسَ؛ لِأَنَّهَا لاَ تَصِيرُ مَيْتَةً حَتَّى تَسْقُطَ. قال: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْبِطَهَا بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لُبْسَ ذَهَبٍ وَإِنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا يُرْوَى أَنَّ أَنْفَ رَجُلٍ قُطِعَ بِالْكُلاَبِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَشَكَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتِنَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ وَإِنْ أَدْخَلَ دَمًا تَحْتَ جِلْدِهِ فَنَبَتَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ الدَّمَ وَيُعِيدَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ إدْخَالِهِ الدَّمَ تَحْتَ جِلْدِهِ. قَالَ وَلاَ يُصَلِّي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَاصِلَيْنِ شَعْرَ إنْسَانٍ بِشُعُورِهِمَا وَلاَ شَعْرَهُ بِشَعْرِ شَيْءٍ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلاَ شَعْرِ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَعْرُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الذَّكِيِّ كَمَا يَكُونُ اللَّبَنُ فِي مَعْنَى الذَّكِيِّ، أَوْ يُؤْخَذُ بَعْدَمَا يُذَكَّى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَتَقَعُ الذَّكَاةُ عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْهُ وَمَيِّتٍ فَإِنْ سَقَطَ مِنْ شَعْرِهِمَا شَيْءٌ فَوَصَلاَهُ بِشَعْرِ إنْسَانٍ، أَوْ شُعُورِهِمَا لَمْ يُصَلِّيَا فِيهِ فَإِنْ فَعَلاَ فَقَدْ قِيلَ: يُعِيدَانِ. وَشُعُورُ الْآدَمِيِّينَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَمْتَعَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ كَمَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ مِنْ الْبَهَائِمِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِشُعُورِ مَا يَكُونُ لَحْمُهُ ذَكِيًّا، أَوْ حَيًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ بِنْتًا لِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَتَمَزَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمَوْصُولَةُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا ذُكِّيَ الثَّعْلَبُ وَالضَّبُعُ صُلِّيَ فِي جُلُودِهِمَا وَعَلَى جُلُودِهِمَا شُعُورُهُمَا؛ لِأَنَّ لُحُومَهُمَا تُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْ شُعُورِهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ صَلَّى فِيهِمَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ يُصَلَّى فِي جِلْدِهِ إذَا ذُكِّيَ وَفِي شَعْرِهِ وَرِيشِهِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَأَمَّا مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَمَا أُخِذَ مِنْ شَعْرِهِ حَيًّا، أَوْ مَذْبُوحًا فَصُلِّيَ فِيهِ أُعِيدَتْ الصَّلاَةُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ ذَكِيٍّ فِي الْحَيَاةِ وَأَنَّ الذَّكَاةَ لاَ تَقَعُ عَلَى الشَّعْرِ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ وَغَيْرَ ذَكَاتِهِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ دُبِغَ لَمْ يُصَلِّ لَهُ فِي شَعْرِ ذِي شَعْرٍ مِنْهُ وَلاَ رِيشِ ذِي رِيشٍ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لاَ يُطَهِّرُ شَعْرًا وَلاَ رِيشًا وَيُطَهِّرُ الْإِهَابَ؛ لِأَنَّ الْإِهَابَ غَيْرُ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ، وَكَذَلِكَ عَظْمُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لاَ يُطَهِّرُهُ دِبَاغٌ وَلاَ غُسْلٌ ذَكِيًّا كَانَ، أَوْ غَيْرَ ذَكِيٍّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فَقِيلَ: يُصَلِّي فِي ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُغْسَلَ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ فَكُلُّ ثَوْبٍ جُهِلَ مَنْ يَنْسِجُهُ أَنَسَجَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ مُشْرِكٌ أَوْ وَثَنِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ كِتَابِيٌّ، أَوْ لَبِسَهُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ، أَوْ صَبِيٌّ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ فِيهِ نَجَاسَةً وَكَذَلِكَ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ صَبِيَّةٌ عَلَيْهَا ثَوْبُ صَبِيٍّ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لاَ يُصَلَّى فِي ثَوْبِ مُشْرِكٍ وَلاَ سَرَاوِيلَ وَلاَ إزَارٍ وَلاَ رِدَاءٍ حَتَّى يُغْسَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وَإِذَا صَلَّى رَجُلٌ فِي ثَوْبِ مُشْرِكٍ، أَوْ مُسْلِمٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَعَادَ مَا صَلَّى فِيهِ وَكُلُّ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ غَائِطٍ رَطْبٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ، أَوْ مُحَرَّمٍ مَا كَانَ فَاسْتَيْقَنَهُ صَاحِبُهُ وَأَدْرَكَهُ طَرَفُهُ، أَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَعَلَيْهِ غُسْلُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَوْضِعُهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غُسْلُ الثَّوْبِ كُلِّهِ مَا خَلاَ الدَّمَ وَالْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ وَمَاءَ الْقَرْحِ فَإِذَا كَانَ الدَّمُ لُمْعَةً مُجْتَمِعَةً وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مَوْضِعِ دِينَارٍ، أَوْ فَلْسٍ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ دَمُ الْحَيْضِ فِي الْمَعْقُولِ لُمْعَةٌ وَإِذَا كَانَ يَسِيرًا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَمْ يُغْسَلْ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ أَجَازَتْ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّدِيدُ وَالْقَيْحُ وَمَاءُ الْقَرْحِ أَخَفُّ مِنْهُ وَلاَ يُغْسَلُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ لُمْعَةً وَقَدْ قِيلَ: إذَا لَزِمَ الْقَرْحُ صَاحِبَهُ لَمْ يَغْسِلْهُ إلَّا مَرَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|